لا تقل هذا لن يحدث معي! - ارشيف موقع جولاني
ַבּזבַה דז ּזבַהם ַבֵבֺׁזהם


لا تقل هذا لن يحدث معي
عصام محمود - 21\01\2011
عصبية زائدة,تقلّبات في المزاج,الانطواء على النفس ,تجاهل تام للأهل وعدم الاكتراث لطلباتهم,عدم انتظام الغذاء,وتدني ملحوظ في التحصيل الدراسي, هذه هي حال أولادنا في هذه الأيام . يجلس الطفل أو الشاب أمام شاشة صغيرة لا تتعدى مساحة كتاب مفتوح,يرى من خلالها العالم بأكمله,بسحره وجماله تارةً وبقسوته وبشاعته تارةً أخرى,يكشف العالم أمامه وينكشف عليه بنفس الوقت دون إدراكٍ منه بالنتائج السلبية التي يمكن أن يسببها هذا الانكشاف, وخاصة أنه لا يوجد طريقة لمعرفة من يتحدث معه ومن يتشارك معه المعلومات ,إن كان طفل في نفس السن أم منتحل لشخصيته يخفي نوايا قد تكون في منتهى الخطورة , وليس بمقدرة الطفل تمييز أو اكتشاف ذلك.
وكما يعلم الجميع فقبل بضعة سنوات زار البيوت عبر هذه الشاشات الصغيرة زائر جديد لا أحد يعلم إن كان مرغوباً فيه أم لا ,فهذا يتوقف على مدى معرفتنا بما يفعله أولادنا عند جلوسهم أمام هذه الشاشة وعلى مدى حذرهم عند مشاركتهم للمعلومات والصور مع الغرباء,هذا الزائر الجديد يدعى الفيس بوك ,وقد أسسه طالب في جامعة هارفرد في الولايات المتحدة يدعى مارك زوكربيرج مع بعض زملائه في الجامعة سنة 2004 , وفي البداية كان استعماله يقتصر على طلبة الجامعة فقط, ومن ثم انتشر في باقي الجامعات وهكذا إلى العالم الواسع ليشمل مئات الملايين من المشتركين, واستخدامه في تزايد مستمر وبدرجات تفوق كثيراً استخدام تقنيات المعلومات الأخرى,وقد أدى تنوّع تطبيقاته واختلاف مهامها ووسائل التعامل معها إلى تحولها لوسيلة جذب لفئات متنوعة من البشر على اختلاف أعمارهم واهتماماتهم , وقد انتشر في الوضع الراهن ليشمل شريحة كبيرة من الأطفال والمراهقين الذين وجدوا فيه وسيلة ممتعة لتحقيق الكثير من رغباتهم وإبراز شخصياتهم.
ولعل سهولة استخدامه ومرونة القيود المفروضة على الاشتراك فيه كانت من أبرز أسباب انتشاره بهذه السرعة إضافة إلى أن طبيعة الطفل الاجتماعية ورغبته في تكوين العلاقات مع أقرانه نظراً لقلة انشغاله وتوفر وقت فراغ كبير في حياته,مع قلة الفرص المتاحة له خارج المنزل للالتقاء بالآخرين.وأكثر من يستفيد من هذه الممارسة الأطفال الخجولين الذين يخشون الحديث في الأماكن العامة وبين المجموعات فيجدون هذه فرصة للتعبير عن أنفسهم وإبراز شخصيتهم للآخرين دون أي قيود أو ضوابط,وأيضاً يطمحون لكسب صداقات جديدة لها اهتمامات وهوايات مشابهة.
وقد أفرزت الشبكات الاجتماعية الكثير من المشكلات والمخاطر على الأطفال , كالتهديد والمضايقة والتحرش بأنواعه , إذ أن استعمالها من قبل الطفل دون رقابة أو ضوابط ممن هو أوعى منه وأكثر إدراكاً بمخاطرها ,يتركه في حيرة وعجز عن التصرف الصائب وبالتالي يصبح معرضاً للخطر. وكذلك يؤثر استعمال هذه الشبكات إلى تغيّر السلوكيات عند الطفل واكتساب صفات غير حميدة من خلال التواصل وربط العلاقات مع أناس مجهولين يتسمون بالأخلاق السيئة ويتصرفون بطريقة مخالفة لعادات وتقاليد المجتمع.ناهيك عن إهدار الوقت والانشغال عن الأمور الأساسية في حياته كالجلوس مع أفراد العائلة ومذاكرة الدروس وممارسة النشاطات الاجتماعية,والأخطر من ذلك الأضرار الصحية الناتجة عن الجلوس أمام الشاشة لفترات طويلة وتشجيع الأطفال على العزلة وغرس عادة الانطواء لديهم.
ويقع جزء كبير من المسؤولية على الآباء والأمهات فبدون تدخل أحد منهم في ضبط عملية استخدام الشبكات الاجتماعية لن تجدي باقي الأساليب في حماية خصوصية الطفل وحفظ معلوماته الشخصية من التسرّب والاستغلال .
ومن الاقتراحات المطروحة لتسهيل عملية الضبط هذه وضع جهاز الكومبيوتر في مكان مفتوح يمكن للجميع رؤيته والإطلاع عليه مثل غرفة الجلوس ,بحيث يمكن مراقبة المستخدمين ومعرفة مع من يتحدثون وما هو موضوع الحوار.وأيضاً استعمال إعدادات الحجب لبعض المواقع والشبكات المشبوهة وغير المناسبة للفئة العمرية التي ينتمون إليها,وأن يتم مراجعة قائمة الأصدقاء بشكل مستمر للتأكد من عدم وجود أشخاص غير معروفين ضمنها.
وكذلك تحديد وقت يومي لاستعمال الكومبيوتر وإرشاد الأطفال بأنه عليهم الإبلاغ عن أي تصرفات أو تهديدات قد تعرضهم للاستغلال من قبل الآخرين, وأن عليهم عدم التواصل مع الغرباء سواء بالبريد الالكتروني أو المحادثة الفورية أو بالفيديو.
جميع هذه الإرشادات من شأنها حماية أولادنا من الخطر المحيط بهم , والمحافظة على مستقبلهم وإرشادهم إلى الطريق الصحيح, كيف لا فهم أولادنا وهذه مسؤوليتنا, ولا أحد يستطيع أن يضمن أن هذا لن يحدث معه أو لن يواجه أولاده.